برامج حكومة الولايات المتحدة لوسائل الإعلام المستقلة
برامج حكومة الولايات المتحدة لوسائل الإعلام المستقلة
برامج دعم وسائل الإعلام التي تمولها وزارة الخارجية والوكالة الأميركية
للتنمية الدولية تشمل أربعة أوجه. الوجه الأول: يخص تعليم مهنة الصحافة. يُرسَل الصحفيون والمعلمون الأميركيون إلى الخارج للتحدث (برفقة خبراء محليين) إلى الصحفيين العاملين حول فنون الكتابة الصحفية، والدقة، والتوازن، والإنصاف، وجمع المعلومات، والكتابة بوضوح، والفصل بين التعليق والخبر، وحماية مصادر المعلومات. ويتلقى هؤلاء أيضاً الإرشاد حول كيفية معالجة القضايا الحساسة كالنزاعات الإثنية، وحقوق المرأة، ومرض الإيدز. إضافة إلى ذلك، يُستقدم الصحفيون الأجانب إلى الولايات المتحدة لزيارة دور الصحف الأميركية ومحطات التلفزة، ولمشاهدة كيف تعمل الصحافة الحرة في سياقها الأميركي. وبإمكان الصحفيين الأجانب أيضاً حضور حلقات دراسية خاصة، ومقررات دراسية في إذاعة "صوت أميركا"، أو في مؤسسات التعليم العالي.
يُرسل الصحفيون والمحررون الأميركيون إلى الخارج لتعليم المبادئ الأساسية
للصحافة الحرة كالموضوعية، والدقة والإنصاف –
الوجه الثاني : لمساندة وسائل الإعلام الحرة يتعلق بكيفية تطوير الأعمال
التجارية للصحافة. تحتاج المؤسسات الصحفية، للتخلص من رقابة الحكومة، لأن تكون
قادرة على شق طريقها بنفسها، ودفع رواتب محترمة، وتغطية تكاليف الإنتاج، بدءاً من
ورق الجرائد وصولاً إلى أجهزة الإرسال. ففي بعض البلدان الفقيرة، تُدفع للمراسلين
أجور متدنية لدرجة أن بعضهم يقبل ما يُسمى "مظاريف بُنّية" تحتوي على
مدفوعات نقدية من مصادر معينة، أو عندما يحضرون مؤتمرات صحفية. تُعلّم برامج
الولايات المتحدة مالكي وسائل الإعلام والمدراء فنون الإعلان، والتسويق، والإدارة
المالية لكي يستطيعوا الإعتماد على أنفسهم. وتساعد هذه البرامج أيضاً في إعداد
دراسات الجدوى، وخطط العمل، وإنشاء مكاتب تدقيق ومحاسبة للمصادقة على كمية التوزيع
ومن أجل تحديد أسعار الإعلانات.
الوجه الثالث لمساندة الولايات المتحدة لوسائل الإعلام يتعلق بمساعدة
مجموعات الصحفيين، والناشرين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، أو المشترعين المحليين
على وضع قوانين تحمي قدرة الصحافة على تغطية نشاطات الحكومة ومواضيع غيرها، دون
الخوف من المضايقات. وتذهب الأموال الأميركية أيضاً إلى تعليم محامي وسائل
الإعلام، وإلى دعم الدفاع القانوني عن المؤسسات الإعلامية.
أما الوجه الرابع فيعود إلى المساعدة في تشكيل جمعيات مهنية للصحفيين،
والمحررين، وأصحاب وسائل الإعلام. تتحول مثل هذه الهيئات إلى قوة لحماية الأعضاء
الفرديين فيها حين ينفذون الوظائف العادية المتعلقة بهذه الجمعيات مثل وضع
المعايير؛ وتشجيع الأعضاء على تحسين النوعية والمصداقية؛ والعمل على تحسين الوصول
بشكل أفضل إلى الوثائق العامة، والإجتماعات، والمقابلات الصحفية مع الرسميين
الحكوميين.
الأشكال الأخرى لمساعدة وسائل الإعلام المستقلة
تشمل المساعدات الأميركية في بعض الحالات، الدعم المالي للتوظيفات
الرأسمالية، مثل شراء المطابع، وأجهزة الإرسال، والتجهيزات الإذاعية، وكمبيوترات
غرف الأخبار. وفي حين نجد أن الهدف الأميركي الأول هو مساعدة الوسائل الخاصة
الحرة، فان هذه المساعدة تذهب، في بعض الأحيان أيضاً لتدريب الموظفين ومدراء وسائل
الإعلام التابعة للدولة. غير أن هدف هذه المساعدة، في الأمد البعيد، هو جعل وسائل
الإعلام التابعة للدولة أكثر إستقلالية، وأكثر احترافاً، مع إمكانية تحويلها إلى
القطاع الخاص لاحقاً. عندما تتبع وسائل الإعلام التابعة للدولة المعايير المهنية،
فإنها تصبح أكثر قابلية لخدمة مصلحة عامة الناس بدلاً من مساندة الحكومة القائمة.
تواجه المساعدة الأميركية لوسائل الإعلام الحرة بعض الجَدَل. ففي بعض الأحيان،
تكون وسائل الإعلام الحرة، عند ظهورها الأول، تنقصها الخبرة وتنقل أخباراً غير
مؤكدة، أو خاطئة، أو مُضلّلة، أو مبالغا فيها، أو مفترئة. وفي بعض البلدان، تعتبر
مساندة الولايات المتحدة لوسائل الإعلام الحرة بمثابة تدخل خارجي. أما في بلدان
أخرى، فتعبّر وسائل الإعلام الحرة أحياناً عن وجهات نظر معادية لأميركا أو على
خلاف مع سياسات الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الرغم من دواعي الجدل هذه،
والإنتقاد الموجه إلى مرافق الوسائل الإعلامية الناشئة، تبقى مساعدات الوكالة
الأميركية للتنمية الدولية، ملتزمة هذا النشاط. فبناء وسيلة إعلامية مستقلة
ومسؤولة من خلال عملية تطوّرية تحتاج إلى عقود من الزمن في بلدان لم يكن لديها تقاليد
من التسامح تتقبل مجالات واسعة من وجهات النظر المتنافسة. لقد توقفت المساعدات إلى
بلدان أميركا الجنوبية على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، حيث أن كل بلد من هذه
البلدان قد تحول نحو الديمقراطية، باستثناء كوبا. لكن، لا تزال بعض المساعدات تذهب
لتحضير تقارير صحفية تحقيقية لازمة لمواجهة الفساد والمخدرات المحظورة.
مكتب مبادرات الإنتقال التابع للوكالة الأميركية للتنمية الدولية
تذهب مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى وسائل الإعلام، في
13 بلداً تسير نحو الديمقراطية كأفغانستان، عبر مكتب مبادرات الإنتقال، الذي يعمل
في مناطق كانت تشهد، أو لا تزال تشهد، نزاعات مستمرة.
تشمل مساندة مكتب مبادرات الحالات الإنتقالية لوسائل الإعلام المستقلة –
بالإضافة إلى تأمين التدريب وتطوير البنى التحتية – برمجة رسائل من أجل السلام،
والتسامح، والمشاركة الديمقراطية. تختلف هذه المحاولات لنشر الأخبار والمعلومات
الإيجابية، والتي تدعم القيم الديمقراطية وعملياتها، عن المساندة المباشرة لوسائل
الإعلام المستقلة التي تسعى فقط إلى مساندة العمل الصحفي المسؤول، والتي لا تعزز
انتشار رسائل مُحدّدة.
المساندات الأخرى للوكالة الأميركية للتنمية الدولية
البرامج الأخرى لدى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تدعم
الاحتياجات الأساسية للتنمية كالتعليم والصحة، قد تشمل كذلك عناصر مساندة لوسائل
الإعلام. إذ يمكن لبرامج التنمية هذه استخدام الإذاعات، والتلفزيونات، والصحف
لتسويق البرامج الإجتماعية. ففي رواندا، تساعد الولايات المتحدة في بث تقارير عن
محاكمات الإبادة الجماعية والقضايا الأخرى التي تراها هامة للتغلب على "إذاعة
الكراهية" الموروثة التي استُخدمت لزيادة الكراهية الإثنية والإبادة الجماعية
سنة 1994.
نهوج مبتكرة جديدة
أحد الدروس التي تعلمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بعد إدارتها
لبرامج دعم الوسائل الإعلامية طيلة أكثر من عقد من الزمن، بيّنت أنه بدلاً من
محاولة إنشاء مرافق إعلامية جديدة بالكامل، من الأفضل مساعدة مرافق قائمة حتى ولو
أدى ذلك إلى شراء أجهزة الإرسال وورق الصحف عبر هبات مباشرة.
والدرس الآخر يتمثل في – محاولة مساندة التقارير الصحفية الانتقادية في
مجالات أقل تهديداً، كالتقارير المحلية حول الطرقات، والصحة، والبيئة، - وذلك
عندما تحظر الحكومات الانتقاد المباشر للسلطات الحاكمة - فقد استخدم الصحفيون تلك
التقارير كنقطة إنطلاق للبدء بالكتابة الإنتقادية حول المسائل الحكومية لفترة
طويلة قبل أن يتمكنوا من التطرق إلى قضايا أكثر أهمية كالحاجة إلى انتخابات حرة
وقضاء حرّ.
وتدعم المساعدات الأميركية أيضاً تدريب الصحفيين على محاولة صوغ علاقات
إيجابية مع الرسميين الحكوميين، وفي كتابة تحقيقات صحفية إستقصائية، وتغطية أخبار
الإرهاب. وقد ساعدت جهود دعمتها الولايات المتحدة صحفيا بلغاريا في تعقّب عمليات
تدفق المخدرات والأموال التي تربط بين أسامة بن لادن وأوروبا، عبر بلغاريا.
لم تكن قوة وتأثير وسائل الإعلام في يوم من الأيام أكثر أهمية مما هي
عليه اليوم. فالإتصالات بواسطة الأقمار الصناعية والإنترنت مكنّت المجموعات
الصغيرة من المتطرفين من نشر رسائل الكراهية والتعصّب على نطاق واسع للملايين من
الناس بكبسة زر. فالمساعدات الأميركية لإنشاء وسائل إعلام متّزنة، ومنصفة لا تزال
من الأولويات الهامة، وعلى الأخص بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وفي وقت
نسعى فيه إلى إقامة عالم أكثر إطلاعاً وتسامحاً.
التعليقات على الموضوع