اقتصاديات الاعلام
مقدمة :
إذن يمكننا الجزم بأن الإعلام
هو الداعم الأساسي لاقتصاديات العالم ، ومن جهة ثانية فإن الإعلام نفسه قد أصبح
صناعة متكاملة في عصرنا الحاضر مثلها مثل الصناعات الأخرى ، وهذا يتأتى بسبب قدرة
وسائل الاتصال على التأثير على حركة المجتمع بما تمتلكه من إمكانات تقنية ونفوذ واسع
مكنها لأن تكون سلطة لها دورها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي .
لكي تستمر وسائل الاتصال في
أداء مهامها لا بد لها أن ترتكز على قاعدة اقتصادية قوية لأن هذه الوسائل بحوجة
إلى نفقات كبيرة تتمثل في الكادر البشري والمعدات وأنظمة الاستقبال والإرسال
...الخ.
ونظراً لأن وسائل الإعلام تعمل
في سوق مشترك وفق مفهوم تدفق المعلومات Flow
of Information
عليها أن ترتقي إلى مستوى المنافسة ، وهذا يتطلب الكثير من الجهد
، الأمر الذي أضفى عليها الطابع التجاري ، وبالتالي أصبحت وسائل الاتصال في كل
دولة تسعى لأن تتميز على رصيفاتها فكان عليها أن توفر الكادر البشري والتقنية
المتطورة وتقدم نفسها للجمهور من خلال مادة مؤثرة تعرضها وفق منهجية علمية .
أما محتويات الورقة التي بين
أيدينا فقصدنا منها أن نعرف القارئ بإقتصاديات الإعلام وعوامل بنائها والمشكلات
التي تواجهها ، كما رأينا أن نتطرق لفهم واقع اقتصاديات الإعلام في الولايات
المتحدة الأمريكية كنموذج للبلاد الغربية حتى نتيح الفرصة للمقارنة مع واقعنا في
الدول العربية وفي السودان على ووجه الخصوص حيث تطرقنا لما تعانيه وسائل الإعلام من
مشكلات .
ما هي اقتصاديات
الإعلام ؟
تعرف اقتصاديات الإعلام باعتبارها فرع من
فروع الاقتصاد التطبيقي الذي يدرس : الإنتاج ، التوزيع ، الاستهلاك .o والمقصود بالإنتاج هو عملية تنظيم العمل في البرنامج ، والتنسيق بين العناصر الفنية المشاركة في التنفيذ وتسهيل كل المعوقات والصعوبات في حدود الميزانية المقررة . ويدخل ضمن هذا المفهوم كل النفقات المادية والفنية والتقنية والبشرية .
الإمكانيات تتفاوت حسب طبيعة الوسائل وفق مايتوفر لها من موارد وبيئة عمل .
o أما التوزيع فهو قدرة القائم بالاتصال على توصيل المادة الإعلامية للجمهور . ويدخل ضمن ذلك توصيل الصحف للقارئ عن طريق استخدام الوسائل التي تتمثل في السيارات والطائرات وغيرها ، وتوصيل الخدمة الإذاعية عن طريق الموجات الأثيرية ، والخدمة التلفزيونية عن طريق الأقمار الاصطناعية ، وإتاحة خدمة الإنترنت .
o والاستهلاك يعني مدى قبول الجمهور لمحتوى وسائل الإعلام ، وشكل الرسائل المقدمة . وهذا ما يتطلب جهداً كبيراً ، يختلف باختلاف طبيعة الوسائل ، وهذا هو الموضوع الأهم الذي يصعب اختزاله في مثل هذه الورقـة ، فلكي يقبل الجمهور محتوى ماتقدمه الوسائل علينا الكثير من العمل ليس فيما يختص بالمضمون فحسب ، إنما بالنسبة لشكل وقالب المادة أيضاً ، وهذان هما قطبا المادة الإعلامية التي تتطلب فهماً واسعاً للوسائل والجمهور يرتقي إلى مستوى الدراسة والتمحيص.
شهدت الساحة
العربية تطوراً كبيراً في قطاع الإعلام خلال العقدين الأخيـرين ( منذ بداية
تسعينيات القرن العشرين ) بسبب تزايد القنوات الفضائية التي تبث برامجها لجمهور في
الخارج ، وتطورت تبعاً لذلك البرامج من حيث الشكل والمضمون ، بالإضافة إلى ذلك برز
القطاع الخاص كشريك مهم للقطاع الحكومي في تشغيل وامتلاك وإدارة المؤسسات
التلفزيونية التي ظلت ردحاً من الزمن حكراً على القطاع الحكومي ، ويظهر هذا بوضوح
أكثر في دول الخليج العربية عنه لدى رصيفاتها الدول العربية الأخري ، ورغم هذا
التطور الذي شهدته الساحة الإعلامية الفضائية في دول الخليج العربية ، إلا أن هناك
تحديات كثيرة ظلت تواجه هذه المؤسسات في كافة المجالات وعلى رأسها المجال السياسي حيث
لا تزال العلاقة مع السلطات الحكومية المالكة أو المراقبة مشوبة بالكثير من
الضبابية وعدم الوضوح . غير أن أبرز تحدي يواجه القنوات الفضائية ظل مركزاً في
مصادر تمويلها ، ومدى قدرة تلك المصادر على تحقيق مشاريع فضائية مستدامة وسط تزاحم
إعلامي لم تشهد المنطقة مثله في تاريخها الحديث .
ولكي تحافظ
على البقاء في عالم مشوب بهذا التنافس الشديد سعت القنوات الفضائية وبصرف النظر عن
تبعيتها المؤسسية ( قطاع خاص أو عام ) إلى تأمين مصادر تمويل متنوعة ، ولا يوجد
دليل قاطع على أن القنوات الفضائية بكافة أشكالها قادرة على سد تكاليف تشغيلها ،
ولعل المراقب سيصاب بالدهشة حينما يدرك أن الغالبية العظمى من هذه القنوات غير
قادرة حتى على تغطية تكاليف تشغيلها ، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن حالة
الربحية التي تتمتع بها مثيلاتها في القطاع الخاص في المجتمعات الغربية ، وربما
يحاول المراقب التساؤل عن اسباب هذه الحالة وعن الأسباب التي تدعو المحطات
الفضائية الخاصة بالذات للعمل في بيئة تعد الخسارة المالية أهم معالمها .
وهناك سبب
ثان يتعلق بكون عملية البرمجة في الشبكات التلفزيونية الأمريكية تتم بالتناغم مع
العملية الإعلانية التي تستند إلى بث الإعلانات خلال البرامج الأكثر شعبية لدى
الجماهير ، وهذا يعني أن موضوعات البرامج وصيغها تخضع لأذواق الجماهير وذلك بناءً
على نتائج دراسات ميدانية تقوم بها شركات أبحاث السوق لصالح المؤسسات الإعلانية
لمعرفة مدى تغلغل برامج التلفزيون في أوساط الجماهيـر .
أما السبب
الثالث فيتعلق بالاتساع الهائل لسوق الإعلان الأمريكية حيث أن قوة الاقتصاد
الأمريكي المستند إلى السوق الحرة في التعاملات التجارية ارتبطت تقليدياً بصناعة
الإعلان التي هي جزء لا يتجزأ عن الصناعة الإعلامية .
ومن هنا فقد غدا هذا الثالوث ( الإعلام ،
الإعلان ، الاقتصاد ) يشكل بنية صلبة تستند إليها القنوات التلفزيونية المختلفة في
عملها .
وعليه تظهر
لنا ضخامة الإيرادات التي تحصل عليها وسائل الإعلام وما تحدثه من تأثيرات عميقة من
قبل الشركات المنتجة في توجهات ومواقف وسائل الإعلام ، وذلك لما تشكله من مورد مهم
لتلك الوسائل وبالشكل الذي يؤثر في حياديتها في نقل الأحداث وتناول القضايا
المختلفة ، فأفرغت الكثير من وسائل الإعلام من المضامين التي تحمل الحقيقة وتنهض
بواقع الجمهور وتخدم قضاياه ، وأصبحت أداة في خدمة الممولين والمعلنين والترويج
لأهدافهم الربحية ، مما أثر سلباً في مصداقية الكثير من هذه الوسائل بعد أن تحولت
إلى أمبراطوريات اقتصادية ضخمة .
كما هو الحال في في الكثير من الدول العربية
فهناك العديد من المعوقات التي انعكست على واقع المؤسسات الإعلامية في السودان مما
أدى إلى عدم قدرتها على على الوفاء بوظائفها التي تتمثل في التثقف والترفيه والتعليم
والتنمية والإرشاد والتوجيه والدعاية والإعلان وغير ذلك من الوظائف ، وقصور
المؤسسات عن القيام بوظائفها أدى إلى ضمور وتقهقر نشاطها الاقتصادي ، ومن أهم المعوقات
التي حالت دون القيام بهذا الدور ما يلي :
البروقراطية .
ضعف راس المال أدى إلى ضعف المؤسسات ( الصحافة والتلفزيون ) .
عدم ملاءمة بيئة العمل .
غياب نظام توظيف يقوم على الحقوق والواجبات .
مشكلة التعاطي مع اللغة ( اللسان ، ولغة الخطاب ) .
1) الإعلان :
وهو كما عرفته لجنة التعاريف الأمريكية ( هو عبارة عن الجهود غير الشخصية التي يدفع عنها مقابل لعرض الأفكار أو السلع أو الخدمات ويفصح فيها عن شخصية المعلن ) ، والإعلان كوسيلة اتصال يهدف إلى إحداث التأثير في الاتجاهات والسلوك . ويمكننا تلخيص ذلك في أن الإعلان عبارة عن :
ü جهد غير شخصي .
ü مدفوع القيمة .
ü يهدف إلى التأثير .
ü المعلن معروف الهوية ومن ثم يكون مصدر التمويل معروفاً .
تقوم بعض وسائل الاتصال ببيع برامجها ، ولكن هذا يتطلب أن تكون لهذه الوسائل قدرة مهنية ومادية وتقنية تمكنها من تقديم برامج منافسة تستطيع من خلالها زيادة دخلها .
3) رعاية المؤسسات :
تقوم بعض المؤسسات برعاية البرامج الإذاعية مقابل قيمة تدفعها للمحطـة ، والغرض من مثل هذه البرامج هو الإعلان عن سلع أو خدمات تقدمها تلك المؤسسات ، وعليه يمكن القول بأن هناك مصالح مشتركة بين المؤسسة والمحطة .
4) دعم الحكومة أو القطاع الخاص :
من المعلوم أن هناك الكثير من محطات الراديو والتلفزيون والصحف ومواقع الانترنت لها ارتباط بالقطاع العام أو القطاع الخاص ، وحسب ما تمليه تلك العلاقة يمكن أن تقدم الحكومة أو مؤسسات القطاع الخاص الدعم للمؤسسات الإعلامية ، وقد يكون ذلك الدعم دعماً مالياً مباشراً ، أو في شكل مساعدات وتسهيلات .
سلبيات الممارسة :
كثيراً ما يؤدي اعتماد وسائل الإعلام على مصادر تمويل بعينها يكون خصماً على محتوى تلك الوسائل ، ولكن هذا غالباً مايؤدي إلي بعض السلبيات :
تراجع تحقيق الوظائف :
قد تخضع مؤسسات الإعلام للإغراءات المالية على حساب ماتقدمه من مضمون وتجنح لضغوط الإعلان وسيطرة المؤسسات الضخمة .
استغلال الأطفال في الإعلان التجاري :
وهي تمثل ضغطاً على الأسرة لشراء سلع ربما تكون غيــر ضرورية ، بل ربما ضارة .
استخدام أساليب الجذب الإعلامي :
كثيراً ما يحتوي الإعلان التجاري على ما يسمى بأساليب الجذب وهي تتمثل في ممارسة ( الخداع ، التضليل ، الإغراء ) .
الخاتمة :
يمكننا القول أن هذه الورقة قد تناولت موضوعاً مهما وهـو ( إقتصاديات الإعلام ) ، لكن ما لا يمكننا قوله أنها قد أحاطت بالموضوع إحاطةً كاملة شملت كل جوانبه وتفاصيله ، وعليه أحسب أن هذه فرصة لفتح باب الحوار العلمي تطلعاً للحصول على المزيد من المعلومات حول الموضوع ، وبالله التوفيق .
التوصيات :
1) توفير ضمانات سياسية ومهنية لتطبيق الاستراتيجيات والخطط المرسومة .
2) تأسيس نظام توظيف قائم على ترسيخ مفهوم الحقوق والواجبات .
3) العمل على دمج المؤسسات الصغيرة في مؤسسات كبيرة .
4) تأسيس علاقة منظمة بين الأكاديميين المتخصصين والإعلاميين الممارسين .
5) قيام صلات شراكة وتعاون بين مؤسسات الإعلام والكليات ذات العلاقة .
6) الاهتمام بتدريب الكادر البشري العامل في مجال الإعلام وهو الذي يقوم بالممارسة الفعلية للعمل ، وتكون الحوجة أكبر في ظل التطور المتسارع على مستوى الممارسة والوسائل والمفاهيم .
المراجع
:
1)
مركز الخليج للأبحاث
، اقتصاديات الإعلام الفضائي في دول الخليج العربية ، ص 2 .2) ماضي الخميس ، اقتصاديات الإعلام ، صحيفة النهار ، العدد 981 بتاريخ 6/2/2011م.
3) سعد الطائي ، اقتصاديات الإعلام في مجتمعات ما بعد الصناعة ـ من الإحتكارات الإعلامية إلى الأمبراطوريات الإقتصادية ، 2011م .
التعليقات على الموضوع