ملاحظات على المقال الصحفي - عقبات في النص
ملاحظات على المقال الصحفي - عقبات في النص
دراسة هامة
لغة النص تعتبر لغة النص أحد أهم العناصر الجاذبة فيه. وليست المشكلة التي نطرحها هنا تتصل بالأسلوب إن كان أدبيا أو علميا، شعبيا أو نخبويا، فلكل صحيفة كتابها ولكل كاتب أسلوبه وجمهوره. لكن المشكلة تكمن في التقيد بضوابط اللغة النحوية والصرفية والتعبيرية وفي تراكيب الجمل ونوعيتها من حيث الطول والقصر ومدى تمتعها بشحنات إعلامية جذابة وممتعة والأكيد أن سلامة الإملاء تعني سلامة النص، على أن الأخطاء الإملائية تهون، رغم إساءتها للنص، في مقابل الحقيقة المرة التي تجعل من بعض النصوص عالة على القارئ وهو يفتش عن جوهر النص أو عن باقي جملة انتهى النص دون أن يجدها لذا من الضروري الالتزام بالجانب اللغوي وهو يحسم بأن:
كل جملة اسمية من اللازم أن يكون لها خبر وإلا فالنص ناقص وبلا فائدة ناهيك عن أن تكون له أية جاذبية أو متعة.
وكل جملة تبتدئ بأداة شرط ينبغي أن يكون لها جوابه،
وكل جملة قول يجب أن يكون لها بداية ونهاية،
وكل جملة فعلية يجب أن تكتمل وتنتهي بنقطة،
وكل جملة اعتراضية تثقل النص وتعيقه يجب التخلص منها،
وكل فقرة ينبغي أن تكون قصيرة مرتبطة بما قبلها وتقدم إضافة لما سبقها.
وعليه فليس كافيا أن يتمتع الكاتب بلغة سليمة وقدرة على التعبير ما لم يحسن استخدام اللغة ويتقيد بلوازمها وينقاد لشروطها مرغما فحتى أولئك الذين يجيدون الكتابة تراهم يقعون في أخطاء فادحة في استخدامهم لحروف الجر أو للمتممات اللغوية في النص كأدوات الوصل وحروف العطف وأسماء التفضيل وغيرها، ويتقاعسون حتى عن الاهتمام بعلامات الترقيم والتوقف بحيث يبدو النص مختنقا تارة أو هاويا في واد سحيق تارة أخرى. وبعض هذه الأخطاء تقلب المعنى رأسا على عقب وتضيع النص وجواهره. وللعلم فإن أول تقييم للكاتب دائما ينطلق من اللغة. فمن منا لم يسمع بأن كاتب ما لغته جيدة وذاك سقيمة؟
أما لماذا التركيز على اللغة فلأنها الأداة التي نقرأ ونتعلم ونحلم ونأكل ونشرب بها، وهي التي بواسطتها نبني تصورنا للحياة، وهي وسيلتنا للتفاهم والتطور والعلم والمعرفة، وهي (العربية بالذات) لغة القرآن والوحي، وهي اللغة التي تتسع لكل موجودات الجنة حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فهل يمكن لأية لغة أن تبدع مثلما هي اللغة العربية؟ وهل يصح أن تهون علينا كما هو حالها الآن؟
بعض وسائل الإعلام وأكثرها ما زالت تصر على تعيين أساتذة لغة عربية مهمتهم التصحيح اللغوي لنصوص الكتاب، بل أنها توظف كتَابا أو مذيعين تخرجوا من قسم اللغة العربية وليس من الصحافة. وهي محقة في ذلك خاصة وأن الصحفي من الضروري أن يكون ملما باللغة وقادرا على التحدث بها بطلاقة والكتابة بسلاسة. لكن، في المقابل، ليس شرطا أن يكون خريج الصحافة عالما باللغة بقدر ما هو ملزَم بأن يكون ملما بأساسياتها في الكتابة وإلا ستفقد نصوصه بريقها. ولا ريب أن النص السقيم لغويا هو بالضرورة سقيم موضوعيا.
الجمل الاعتراضية
أحسب أن كثيرا ممن صنفوا من كبار الكتاب فشلوا فشلا ذريعا في إثارة اهتمام القارئ أو دفعه إلى متابعة نصوصهم بانتظام ليس لأنهم محدودي الاطلاع أو أن كتاباتهم ذات لون معين يستهدف جمهورا بعينه، بل لأن أسلوبهم يبعث على الملل والضجر وهم يحاولون حشو مقالاتهم بأقصى قدر من المعلومات والتحليلات في حيز ضيق.
فتجدهم مثلا يكثرون من التشويش على نسق النص عبر الجمل الاعتراضية. فلا يكاد يكتب جملة أو جملتين إلا وتراه يعترضها بنص يسبب نفورا للقارئ وهو يبحث عن جوهر النص والأفكار الواردة فيه فلا يجدها إلا بعد عناء طويل وكان المشكلة في اللغة وليس في الكاتب إذن ينبغي بداية تجنب اعتراض النص، فليس من المعقول أن نكتب نصا ثلثه جملا اعتراضية. فمهما كانت أهميتها في توضيح النص إلا أنها تظل جملا قادرة على قطع النص من سياقه وتشتيت أفكاره.
على أنه من الأهمية أن نذكر بعض الأمثلة على اعتراض النص من واقع الكتابة الصحفية خاصة أنها تتنوع وليست على شاكلة واحدة.ثمة جمل اعتراضية توضيحية تنحشر في وسط الجملة أو الفكرة وتأتي ما بين شرطتين (- ......-). وهذه قد تطول وقد تقصر.جمل اعتراضية إنشائية الطابع ما من وظيفة لها إلا الخلط والإرباك والتخبط الذي يؤدي إلى توهان النص بحيث يخسر تسلسله وتناسقه وحتى أفكاره. هذه الجمل غالبا ما تستعمل بكثرة صيغة ( الحيثيات والينبغيات واليجبيات وأدوات الوصل وهكذا ). ولا شك أن أسلوب الكتابة بهذه الطريقة هو الأسوأ خاصة وأنه يؤدي إلى الاسترسال المذموم، وهو أسلوب يشبه إلى حد كبير جدا شخص ما دخل متاهة معقدة وعجز عن تبين ملامح الخروج منها، وبدلا من التراجع أمعن السير في أزقتها دون حساب إلى أين ستوصله. أو شخص ما ولّى مدبرا من خطر دون أن يلتفت خلفه فقطع مسافة لا تتناسب وحجم الخطر. جمل اعتراضية تكميلية غير محددة المعالم بحيث تبدو جزء من النص وهي ليست كذلك، لكنها تستهدف شرح ما يسبق الفكرة أو ما سيأتي بعدها. ثم يأتي الكاتب بعد أن قطع شوطا طويلا ليقول لقارئه: "لنعد على مسألة كذا وكذا".
جمل اعتراضية تفسيرية تأتي بين معقفين ( ........ ). والفكرة هنا هي محاولة الكاتب الربط بين حدثين أو أكثر في غير الموضع المناسب. فالكاتب يعتقد أن الربط قد يقوي النص، بينما الحقيقة أنه قد يثقله، وقد يضيعه بأن تتغلب الفكرة التابعة على الفكرة المركزية فيضعف النص بدلا من تقويته. كل هذه الجمل الاعتراضية وأمثالها ينبغي التقليل منها وإن أمكن الاستغناء عنها أو التفكير في جعلها جزء من النص ولكن غير اعتراضي.
التعليقات على الموضوع