شبكة المعلومات الجديدة


ملاحظات على المقال الصحفي - قوة النص









ملاحظات على المقال الصحفي - قوة النص
دراسة هامة
لا نظن أن قوة النص تكمن في طوله أو قصره كما تفرض وسائل الإعلام على الكاتب فتقيده بمساحة معينة، إذ أن بعض وسائل الإعلام تلجأ إلى تقسيم الموضوع على حلقات إذا وجدته مجديا ويستحق النشر بكامله فالإثارة والسبق الصحفي ومكانة الكاتب أو موقعه وغير ذلك كلها عناصر لها نصيب في اتخاذ القرار لكن قرار النشر غالبا ما تفرضه جودة النص إلا إن كان هناك مانع سياسي أو أمني أو أيديولوجي كما هو شائع في البلاد العربية.

والحقيقة أن قوة النص تكمن أيضا في ترتيبه المنهجي وفي أدواته.

فالقارئ قد ينفر من النص لدى قراءته الجملة الأولى، وهذه مأساة الكاتب الذي يبتعد عن الإثارة ويفضل الرزانة، لكن هذا القصور غير الإرادي يمكن التعويض عنه عبر الاهتمام بالعنوان والصورة والعناوين الفرعية للنص. فهذه تشكل عناصر جاذبة للقارئ وحين الشروع في الكتابة من المفضل الاهتمام بالفقرات الأولى للنص والتي تشكل الإطار العام الجامع له.

وهذه الفقرات قد تشتمل على الموضوع والمشكلة والأسئلة الكبرى وكذلك على الافتراضات التي يطرحها الكاتب كمقدمة ينتظر القارئ أن يتلقى إجابة عليها في خاتمة النص.

أما في المتن فأيا كانت المنهجية المستعملة فإن السؤال يظل مصدر المعرفة لذا فإن ترتيب الكاتب لموضوعات النص وأفكاره يعتمد بشكل كبير على إجادته لطرح الأسئلة في المكان المناسب لها والاستعداد للإجابة عليها. أما لماذا؟:

فلأن تكرار طرح الأسئلة يفيد في :

(1) إثارة الفضول وفي (2) كشف التناقضات وفي (3) إضاءة الجوانب الخفية في الموضوع.

وفي مثل هذه الحالة فقد تحمل هذه الأسئلة رسالة معينة توجه القارئ أو الباحث إلى مكامن النقص والغموض في الفكرة موضوع النص بحيث يجري التنبه لها لاحقا كلما تطورت الفكرة أو نضجت.ثمة مسألة مهمة في سياق قوة النص وهي عدم كتابة أية جملة أو معلومة ما لم يكن الكاتب على ثقة بصحة محتواها. لكن المعلومات ذات الطابع

الإجمالي (صحيحة في الإجمال ولكن بلا تفاصيل دقيقة) غالبا ما يلجأ الكتاب إلى استعمال عبارات احتمالية في توظيفها في النص، ويمكن أن يلجأ الكاتب في التعبير عنها بصيغة سؤال دون أن ينسبها لأي مصدر كان.

أما الشق الآخر من قوة النص فيتعلق بقدرة الكاتب على الإقناع.

وهذه لا تأتي بكثرة الشهادات ولا والأسانيد ولا بقوة الحجج فقط بل بصراحة الكاتب وأمانته وحياديته فيما يكتب من جهة وما إذا كان يحترم عقول القراء من جهة ثانية، وبعبارة مختصرة تأتي من قوة البيان بدون أية مجاملات أو حسابات أيديولوجية، فهي الحقيقة ..فمن شاء فليأخذها ومن شاء فليرفضها.

بالتأكيد لن يفلت الكاتب من الانتقاد على صراحته سواء في التوصيف أو النقد أو المقارنة أو أية منهجية أخرى يتبعها في كتاباته.

ومع ذلك تبقى الصرامة المنهجية والعلمية هي الحصن الحصين للكاتب في مواجهة مختلف ألوان الطيف الفكري.

وهي على كل حال حالة طبيعية وليست استثناء.

ثمة أمر مهم في تماسك النص وهو الحدس. وهي تقنية منهجية استعملها بكثافة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. أما لماذا يستعمل هذه التقنية فلأن بورديو يعتقد أن الحدس ينطوي على عناصر تفكير تقع في صميم العقل. وهي بمعنى آخر تعبير عن الذات وعن مستوى الرضا فيها تجاه أي سلوك تقوم به. وعليه فإن ميزة هذه التقنية أنها تمكن الكاتب من مراقبة نصه والتساؤل: هل هو متماسك؟ أم ضعيف؟

ولعل أطرف ما في بعض الكتابات أن أصحابها يقدمون نصا يعتقدون أنه يعبر عن الأفكار التي يرغبون في إخراجها فيكون ما في عقولهم شيء وما كتبوه حقيقة شيء آخر، ولما تناقشهم فيما كتبوه يقولون لك العبارة الشهيرة الرتيبة: "أنا أقصد كذا وكذا"! وكأنهم يكتبون لذواتهم متناسين أن هناك قراء يطلعون على ما يكتبون ليسوا مستعدين لمتابعتهم طالما أصروا على هذا النوع من الكتابة.



هؤلاء، ومنهم محسوبون على كبار الكتاب، يقعوا في هذا الخطأ عن جهل أو عن غير قصد لأنهم لم يعتادوا إخضاع نصوصهم للتحكيم الذاتي أو الحدس، وركنوا إلى مكانتهم.

ليست هناك تعليقات