أساليب “داعش” في استقطاب المؤيدين: استخدام الإعلام والفتيات
أساليب “داعش” في استقطاب المؤيدين: استخدام الإعلام والفتيات
دراسة: جاسم محمد
دعت واشنطن يوم 28 اكتوبر 2014 حلفاءها إلى مواجهة الحرب الإعلامية التي يقوم بها هذا التنظيم المتطرف على الانترنت خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي خطوة يمكن وصفها بالمتأخرة جداً. الخطوة الاميركية جاءت في اعقاب عقد مؤتمر محاربة “الدولة الاسلامية” (داعش) في الكويت الذي ركز على محاصرة إلكترونية للتنظيم.
يشار إلى أن سياسات واشنطن في مواجهة “الجهاديين” في المنطقة لا تزال تقوم على فهم خاطىء.
اعتمدت التنظيمات “الجهادية” على الخطاب الاعلامي منذ نشأتها، وبعد ان كانت تعتمد على منابر المساجد، اتجهت الى اعتلاء المنابر الاعلامية “الجهادية” على الانترنت.
وكان تنظيم القاعدة اول هذه التنظيمات الذي استثمر “الجهاد” الاعلامي وتسويق خطابه ونشاطاته عبر قناة الجزيرة وال”سي ان ان”. لكن الجهاديين الجدد الذين ظهروا اكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت المواقع “الجهادية” ووسائل التواصل الاجتماعي اكثر في اعقاب السجال الحاد ما بين القاعدة و”داعش”، يتصدرون تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات “الهاشتاكك” وغوغل.
وما يثير التسائولات اكثر امام هذه التطبيقات والنشاطات جميعها بأنها تدار على محركات خوادم غربية واميركية تحديدا وبمعرفة واطلاع وكالة الامن القومي الاميركي. وقد كشف عنها موظف وكالة ناسا التابعة للامن القومي سنودن بالاضافة الى كشف برامج وكالة الاستخبارات للتجسس ابرزها “بريزم” Prizm عام 2013. وذكر سنودن بأن وكالة الامن القومي الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لهما القدرة على الوصول مباشرة الى الخوادم المركزية للشركات الأمريكية الرئيسية التسع للانترنت من خلال برنامج سري للغاية يسمى Prizm “بريزم” الذي يستخلص الصوت والتسجيلات المصوّرة والصور ورسائل البريد الالكتروني والوثائق وسجلات الاتصال .
حداثة الاعلام
كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لهذا التنظيم عام 2012 بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشار بأنه قام على أنقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006 وصعد عواد البدري المكنّى بالبغدادي عام 2010.
يعتمد تنظيم “داعش” كثيرا على الإعلام ويسميه “بالجهاد الاعلامي” في معركته مثل بقية انواع “الجهاد” المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية، التي فاقت تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات “الجهادية”، بكفاءة الاعلام وسرعة ايصال الرسائل ونوعية خطابه الاعلامي باستخدام التقنية الحديثة، برغم انه يطلب من مجتمعاته العودة الى الحياة الاسلامية في زمن الاسلام.
إن امتلاك تنظيم “داعش” الامكانيات المالية باعتباره واحداً من اغنى التنظيمات الجهادية إذ يمتلك بالاضافة الى خبرات فنية عملت على توسعه افقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفاد واستقطاب مقاتلين جدد وتضليل الراي العام، حتى تحول ذلك الى “سياحة جهادية” تشمل الزواج وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات.
ورغم وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبّي حاجات مقاتليه بشرط الطاعة.
كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان اضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الاعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع من انتشاره، خاصة في دول أووربا والغرب، لكن خلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزة اعلامية من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة بسبب خروج جبهة النصرة من تنظيم البغدادي ومبايعة الظواهري، وانتهت بإعلان تنظيم القاعدة المركزي في رسالة مطبوعة على موقع القاعدة براءة القاعدة من البغدادي في فبراير 2014.
ويأتي قرار التنظيم المركزي في اعقاب رسالة منظر التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي الشهير بأبي محمد المقدسي من داخل سجنه في الأردن في منتصف شهر فبراير 2014 التي تضمنت انتقادات شديدة ومباشرة لتنظيم داعش.
تطبيقات جديدة على الانترنت
يمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخبارها المحلية. وهذا ما يمكن التنظيم من تنفيذ عولمة “الجهاد” عن بعد وايصال خطابه الى اووربا والغرب، الذي اصبح شبابها يحتل نسبة لا بأس بها داخل التنظيم. هذا النوع من الخطاب مكّنه من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع اووربا علناً.
وكشفت التحقيقات عن قيام مجموعات دعوية من انصار التنظيم تنشط على شكل خلايا وجماعات منظمة من داخل اووربا وهي تستخدم التقنية والدعاية الاوروبية لكسب الشباب والحصول على الاهتمام الاعلامي.
إن عمل “داعش” لا يقتصر على نشر الصور في إتجاه واحد بل يعمل على فهم حاجات جمهوره ومعرفة ردود أفعالهم على شكل استبيان، اي ان خطابه الاعلامي يعتمد على التفاعل.
ورغم ان التنظيم يقوم على اساس القوة العسكرية والاستخبارية الميدانية، فإنه ايضا يقوم على العمل الدعوي الذي عرف بأنه الخطوة الاولى نحو “الجهاد” الميداني. ومن يجد أسلوب العمل الدعوي يفهم كيفية التفاعل والمشاركة وتحريك مشاعر الآخرين كون جماعات الدعوة معروفة بقدرتها الخطابية قديماً قبل ان تظهر وسائل الاعلام الحديثة.
ويعتبر أحمد أبو سمرة أحد المسؤولين عن إعلام التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وساتضافت دول الاتحاد الاوروبي مسؤولي موقع غوغل وشبكات التواصل الاجتماعي في بروكسل منتصف شهر اكتوبر 2014 لمواجهة الخطر الإعلامي عبر الانترنت لهذه الجماعات، ويبدو ان الغرب يتخذ هذه الخطوة بشكل متأخر بعد ان ترك هذه الجماعات تنشط، لما لذلك من تداعيات على عامة الشباب والمجتمعات.
البعد الإعلامي
يتمثل البعد الإعلامي للتنظيم بهدفه واغراضه باستقطاب مقاتلين جدد الى التنظيم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات. ولا يزال خطاب التنظيم موجهاً الى الجيل الرابع أو الخامس من “الجهاديين” الشباب ويتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، باستغلال المقاتلين الاجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين. وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن التنظيم لا يدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وبخاصة في الاعلام والدعاية وربما في المستشفيات الميدانية.
كيفية صناعة إعلام “داعش”
كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي خاصة في فرنسا والمانيا عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا. ما يهدف اليه اعلام “داعش” هو الاستقطاب، أي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم او ان يكونوا من انصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وهم غالبيتهم من الشباب ما بين 18 و26 سنة.
وأظهرت التحقيقات الاستخبارية بأن التنظيم يعتمد على اوروبيين شباب من أصول آسيوية، أكثرهم من أصول باكستانية في بريطانيا لإدارة نشاطاته الإعلامية الالكترونية لتظهر بإنتاج ذات مواصفات وتقنية جيدة.
يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة اللذين يعتبرا في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب الذين يعانون من شعور التهميش سواء كان حقيقيا او وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى وحشية، ونتج عنها استقطاب المزيد من المقاتليين برغم انتققادات شيوخ الفكر السلفي “الجهادي” لهذه الجماعة أبرزهم ابو محمد المقدسي، الذي سبق ان انتقد الزرقاوي وطالب البغدادي أيضاً ان يتقي الله في حرمة دماء المسلمين.
يستثمر التنظيم حالة الوهج أو انتصاراته الميدانية للحصول على مكاسب أكثر، منها تدفق مقاتلين جدد وبيعات من بقية الجماعات. وهذا ما ظهر تماماً في اجتياحه مدن عراقية في يونيو 2014 بشكل سريع فاق جميع التوقعات والتي كانت تمثل قفزات ميدانية، فهو يعزز النصر على الأرض بمزيد من الإنجازات على الأرض ليكمل على خصومه، ضمن مبدأ “الصدمة والرعب” الذي يقوم على عنصر المفاجأة. وقد عمل التنظيم للحصول على بيعات جديدة وسحب بساط عولمة الجهاد من الظواهري والتنظيم المركزي.
الإعلام يصنع “داعش”
لعبت نوعية ومصداقية وسائل الاعلام الناقلة لأخبار ونشاطات تنظيم “داعش” دوراً مهماً مثل شبكة ال”سي ان ان” ووكالتي رويترز و”فرانس برس” وموقع سايت بالإضافة الى تويتر وفيس بوك حيث عملت على نشر نشاطات التنظيم بشكل أسرع. مثال على ذلك: اهتمام الإعلام العربي والدولي بامتلاك “داعش” طائرات مقاتلة في سوريا حصل عليها من قاعدة الجراح في حلب ومطار الطبقة في الرقة، عندما بالغت وسائل الإعلام بطريقة استخدام هذه الطائرات من قبل “داعش” وأظهرتها في لقطات مصورة تحلّق داخل القاعدة أو قيامهم بصيانة الطائرات.
ورغم أن خبراء في الطيران والدفاع والتسلح ذكروا بأن هذه الطائرات لا تمثل الا خردة في سوق سلاح الجو، كون هذه الطائرات من النوع القديم ولأسباب فنية تقنية أبرزها: عدم وجود قطع غيار، وأنها طائرات تدريب أكثر من ان تكون مقاتلة، والأهم أن هذه الطائرات تحتاج الى رادارات وفريق فني على الأرض وهو غير متوفر، لكن الخبر أخذ مساحة إعلامية أكبر، وهذا يعمل على رفع معنويات التنظيم واستقطاب مقاتلين جدد.
في المقابل ينعكس ذلك سلباً على معنويات خصوم التنظيم. ويُظهر الإعلام الغربي أحيانا المخاطر الحقيقية للتنظيمات “الجهادية” بشكل متأخر أو يقصد الترويج لاتخاذ خطوة سياسية، مثلما ركزت التقارير الاستخبارية على قلق وكالات الاستخبارات منها الألمانية بامتلاك “داعش” وجماعات أخرى سلاح قاذفات “مانبادس” او “أس إي-7″ و”أس اي 14″ والتي تستهدف الطيران على بعد ميلين .
كيف وظف “داعش” الإعلام
يستهدف “داهش” في إعلامه فئة الشباب وفي أعمار مبكرة، وهذا يعني انه يستخدم التقنية الحديثة في الإعلام أبرزها تويتر والفيس بوك بعد ان كان تنظيم القاعدة يعتمد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والأقراص المدمجة. العبارات التي يستخدمها التنظيم في تويتر بشكل مختصر كانت تثير اعجاب المشتركين وتحصل على جمهور أوسع وكثيرا ما تناقلتها وسائل الإعلام الأخرى.
أظهر التنظيم الرومانسية على شبكته، برغم وحشيته وذلك من خلال التحاق بعض الفتيات ومنهن القاصرات للقتال مع داعش بعد أن تورطن في علاقات حب على الشبكة، البعض منهن ذكرن قصة التحاقهن بالتنظيم وكيف عاشت قصة حب رومانسية مع مقاتلي داعش، مما استقطب اعداد جديدة على شبكة التواصل الاجتماعي.
أما طريقة عرض الرهائن وذبحهم، فقد كانت موضع اهتمام وكالات الاستخبارات الدولية أكثر من الاهتمام الإعلامي، أبرزها ظهور الرهينة قبل ذبحه بأنه مستسلم وهادىء ورابط الجأش. وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات بشأن الهدوء الذي يتمتع به الضحية قبل أن يواجه مصيره. والطريقة التي يبعث بها رسالته الى حكومته أو عائلته والرأي العام كانت قوية وشديدة من دون أن يكون هناك تردد، وهذا ما يدعم التنظيم وما يدعيه من أيديولوجية ويصوّر للرأي العام بأن ما يعمله هو الصواب والعالم أجمع على خطأ وهذا ما عمل على استقطاب أكثر للتنظيم. بعض الخبراء المعنيين في التنظيم ذكروا بأن القاتل يمارس القتل الوهمي الصوري أكثر من مرة مع الضحية، وربما يخضع الى عقاقير كيميائية أو نظام غذائي يجعله غير مبالٍ بمصيره.
الطريقة التي يتم بها ذبح الرهينة أيضاً أثارت الاهتمام. فخبراء الاستخبارات والمعنيون في وسائل الإعلام ذكروا ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جداً بسبب استخدام نوعية كاميرات واستديوهات متقدمة وصفوها بأنها طريقة هوليودية، وذكرت التقارير أن التنظيم استعان بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير من خلال إعداد المقاتلين الأجانب.
وذكر خبراء في تقنية التصوير بأن التصوير لم يكن في الصحراء بل كان داخل استوديو ليظهر تأثيرات الصوت واللون بطريقة هوليودية مؤثرة أكثر.
يشار إلى أن “داعش” يختلف عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى بأنه لا ينتظر أن يأتيه المقاتلون بقدر ما يتحرك التنظيم باتجاه الحصول على مقاتلين ذوي خبرات معيّنة وخاصة منهم مهندسو المتفجرات والإعلام مثلما يستعين بضباط أركان في عملياته العسكرية الميدانية.
“دابق” و”صليل الصوارم ”
يستخدم التنظيم وسائل الاتصال الحديثة لإثارة زوبعة إعلامية بين الشباب والجمهور إما من خلال تعليقات تويتر أو الشبكة العنقودية، فأصدر التنظيم مجلة عالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، أطلق عليها اسم “دابق” وصدرت باللغتين العربية والإنكليزية، وتوزع نسخها المطبوعة، التي صدرت مؤخراً نسختها الرابعة، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق، فيما أرسلت نسخ منها عبر الإيميلات، وأعاد نشرها عدد من المواقع الداعم للتنظيم.
وأصدر “داعش” سلسلة من الأفلام أشبه بالوثائقية، تصوّر عمليات التنظيم أطلقت عليها سلسلة “صليل السيوف”، آخرها الجزء الرابع الذي بلغت مدته ساعة كاملة، يصوّر عمليات التنظيم بجودة عالية تعكس حرفية في التصوير، واستخدام أحدث أجيال الكاميرات. كما أنتج داعش لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه “صليل الصوارم”.
الخطاب الاعلامي
يختلف الخطاب الاعلامي لهذا التنظيم تماماً عن الطريقة التقليدية للتنظيمات “الجهادية” والذي يقوم على أساس التحرك الميداني على الأرض وعلى الشبكة العنكبوتية أكثر من طروحاتت فكرية من قبل المشايخ التي اعتاد عليها تنظيم القاعدة في وقت سابق.
يعرض التنظيم مقاتليه في حالة مستريحة، وهم يمارسون حياتهم اليومية الاعتيادية مثل بقية البشر داخل بيوت فخمة وقصور بصحبة عوائلهم، عكس ما كان عليه الجيل الأول من مقاتلي القاعدة الذين كانوا يعيشون في كهوف جبال “تورا بورا”. فرغم الوحشية التي يتمتع بها هذا التنظيم لكنه يُظهر مقاتليه في وضع مستريح وارتداء الزي الإسلامي والاهتمام في الشكل في الحالات الطبيعية، مثلما ظهر التنظيم في استقبال بيعات العشائر في سوريا والعراق، وهو يعطي وصفاً مخالفاً لوصفه الوحشي في ميادين المعارك وترديدهم الأهازيج وكأنهم في سياحة “جهادية”. وما يحصل عليه التنظيم من غنائم حرب يعرضها على شكل مكاسب لمقاتليه، منها المركبات والسيارات الفخمة، وكذلك موضوع الزواج أو ممارسة الجنس مع المعتقلات والسبايا قسراً، مثلما حدث في العراق مع الايزيديات والمسيحيات والتي أعادت العالم الى سوق الرق والنخاسة، فالتنظيك يمنح مقاتليه امتيازات أكثر.
واضح أن هذا التنظيم ذكي جداً، وهو يحاول الاستفادة واستثمار كل ما هو متاح لترويج صورته، التي بدأت تلبّي حاجات الكثير من “الجهاديين” الجدد الذين يرفضون العيش بشكل طبيعي في مجتمعاتهم، وهي سياسة إعلامية ذكية قائمة على الاستقطاب. لكن رغم ذلك يتوقع أن يشهد التنظيم انشقاقات وتراجعاً تنظيمياً.
* باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
دراسة: جاسم محمد
دعت واشنطن يوم 28 اكتوبر 2014 حلفاءها إلى مواجهة الحرب الإعلامية التي يقوم بها هذا التنظيم المتطرف على الانترنت خصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي خطوة يمكن وصفها بالمتأخرة جداً. الخطوة الاميركية جاءت في اعقاب عقد مؤتمر محاربة “الدولة الاسلامية” (داعش) في الكويت الذي ركز على محاصرة إلكترونية للتنظيم.
يشار إلى أن سياسات واشنطن في مواجهة “الجهاديين” في المنطقة لا تزال تقوم على فهم خاطىء.
اعتمدت التنظيمات “الجهادية” على الخطاب الاعلامي منذ نشأتها، وبعد ان كانت تعتمد على منابر المساجد، اتجهت الى اعتلاء المنابر الاعلامية “الجهادية” على الانترنت.
وكان تنظيم القاعدة اول هذه التنظيمات الذي استثمر “الجهاد” الاعلامي وتسويق خطابه ونشاطاته عبر قناة الجزيرة وال”سي ان ان”. لكن الجهاديين الجدد الذين ظهروا اكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت المواقع “الجهادية” ووسائل التواصل الاجتماعي اكثر في اعقاب السجال الحاد ما بين القاعدة و”داعش”، يتصدرون تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات “الهاشتاكك” وغوغل.
وما يثير التسائولات اكثر امام هذه التطبيقات والنشاطات جميعها بأنها تدار على محركات خوادم غربية واميركية تحديدا وبمعرفة واطلاع وكالة الامن القومي الاميركي. وقد كشف عنها موظف وكالة ناسا التابعة للامن القومي سنودن بالاضافة الى كشف برامج وكالة الاستخبارات للتجسس ابرزها “بريزم” Prizm عام 2013. وذكر سنودن بأن وكالة الامن القومي الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لهما القدرة على الوصول مباشرة الى الخوادم المركزية للشركات الأمريكية الرئيسية التسع للانترنت من خلال برنامج سري للغاية يسمى Prizm “بريزم” الذي يستخلص الصوت والتسجيلات المصوّرة والصور ورسائل البريد الالكتروني والوثائق وسجلات الاتصال .
حداثة الاعلام
كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لهذا التنظيم عام 2012 بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشار بأنه قام على أنقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006 وصعد عواد البدري المكنّى بالبغدادي عام 2010.
يعتمد تنظيم “داعش” كثيرا على الإعلام ويسميه “بالجهاد الاعلامي” في معركته مثل بقية انواع “الجهاد” المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية، التي فاقت تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات “الجهادية”، بكفاءة الاعلام وسرعة ايصال الرسائل ونوعية خطابه الاعلامي باستخدام التقنية الحديثة، برغم انه يطلب من مجتمعاته العودة الى الحياة الاسلامية في زمن الاسلام.
إن امتلاك تنظيم “داعش” الامكانيات المالية باعتباره واحداً من اغنى التنظيمات الجهادية إذ يمتلك بالاضافة الى خبرات فنية عملت على توسعه افقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفاد واستقطاب مقاتلين جدد وتضليل الراي العام، حتى تحول ذلك الى “سياحة جهادية” تشمل الزواج وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات.
ورغم وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبّي حاجات مقاتليه بشرط الطاعة.
كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان اضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الاعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع من انتشاره، خاصة في دول أووربا والغرب، لكن خلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزة اعلامية من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة بسبب خروج جبهة النصرة من تنظيم البغدادي ومبايعة الظواهري، وانتهت بإعلان تنظيم القاعدة المركزي في رسالة مطبوعة على موقع القاعدة براءة القاعدة من البغدادي في فبراير 2014.
ويأتي قرار التنظيم المركزي في اعقاب رسالة منظر التيار السلفي الجهادي عصام البرقاوي الشهير بأبي محمد المقدسي من داخل سجنه في الأردن في منتصف شهر فبراير 2014 التي تضمنت انتقادات شديدة ومباشرة لتنظيم داعش.
تطبيقات جديدة على الانترنت
يمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخبارها المحلية. وهذا ما يمكن التنظيم من تنفيذ عولمة “الجهاد” عن بعد وايصال خطابه الى اووربا والغرب، الذي اصبح شبابها يحتل نسبة لا بأس بها داخل التنظيم. هذا النوع من الخطاب مكّنه من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع اووربا علناً.
وكشفت التحقيقات عن قيام مجموعات دعوية من انصار التنظيم تنشط على شكل خلايا وجماعات منظمة من داخل اووربا وهي تستخدم التقنية والدعاية الاوروبية لكسب الشباب والحصول على الاهتمام الاعلامي.
إن عمل “داعش” لا يقتصر على نشر الصور في إتجاه واحد بل يعمل على فهم حاجات جمهوره ومعرفة ردود أفعالهم على شكل استبيان، اي ان خطابه الاعلامي يعتمد على التفاعل.
ورغم ان التنظيم يقوم على اساس القوة العسكرية والاستخبارية الميدانية، فإنه ايضا يقوم على العمل الدعوي الذي عرف بأنه الخطوة الاولى نحو “الجهاد” الميداني. ومن يجد أسلوب العمل الدعوي يفهم كيفية التفاعل والمشاركة وتحريك مشاعر الآخرين كون جماعات الدعوة معروفة بقدرتها الخطابية قديماً قبل ان تظهر وسائل الاعلام الحديثة.
ويعتبر أحمد أبو سمرة أحد المسؤولين عن إعلام التنظيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وساتضافت دول الاتحاد الاوروبي مسؤولي موقع غوغل وشبكات التواصل الاجتماعي في بروكسل منتصف شهر اكتوبر 2014 لمواجهة الخطر الإعلامي عبر الانترنت لهذه الجماعات، ويبدو ان الغرب يتخذ هذه الخطوة بشكل متأخر بعد ان ترك هذه الجماعات تنشط، لما لذلك من تداعيات على عامة الشباب والمجتمعات.
البعد الإعلامي
يتمثل البعد الإعلامي للتنظيم بهدفه واغراضه باستقطاب مقاتلين جدد الى التنظيم من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنت والعلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات. ولا يزال خطاب التنظيم موجهاً الى الجيل الرابع أو الخامس من “الجهاديين” الشباب ويتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، باستغلال المقاتلين الاجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين. وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن التنظيم لا يدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وبخاصة في الاعلام والدعاية وربما في المستشفيات الميدانية.
كيفية صناعة إعلام “داعش”
كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي خاصة في فرنسا والمانيا عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا. ما يهدف اليه اعلام “داعش” هو الاستقطاب، أي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم او ان يكونوا من انصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وهم غالبيتهم من الشباب ما بين 18 و26 سنة.
وأظهرت التحقيقات الاستخبارية بأن التنظيم يعتمد على اوروبيين شباب من أصول آسيوية، أكثرهم من أصول باكستانية في بريطانيا لإدارة نشاطاته الإعلامية الالكترونية لتظهر بإنتاج ذات مواصفات وتقنية جيدة.
يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة اللذين يعتبرا في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب الذين يعانون من شعور التهميش سواء كان حقيقيا او وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى وحشية، ونتج عنها استقطاب المزيد من المقاتليين برغم انتققادات شيوخ الفكر السلفي “الجهادي” لهذه الجماعة أبرزهم ابو محمد المقدسي، الذي سبق ان انتقد الزرقاوي وطالب البغدادي أيضاً ان يتقي الله في حرمة دماء المسلمين.
يستثمر التنظيم حالة الوهج أو انتصاراته الميدانية للحصول على مكاسب أكثر، منها تدفق مقاتلين جدد وبيعات من بقية الجماعات. وهذا ما ظهر تماماً في اجتياحه مدن عراقية في يونيو 2014 بشكل سريع فاق جميع التوقعات والتي كانت تمثل قفزات ميدانية، فهو يعزز النصر على الأرض بمزيد من الإنجازات على الأرض ليكمل على خصومه، ضمن مبدأ “الصدمة والرعب” الذي يقوم على عنصر المفاجأة. وقد عمل التنظيم للحصول على بيعات جديدة وسحب بساط عولمة الجهاد من الظواهري والتنظيم المركزي.
الإعلام يصنع “داعش”
لعبت نوعية ومصداقية وسائل الاعلام الناقلة لأخبار ونشاطات تنظيم “داعش” دوراً مهماً مثل شبكة ال”سي ان ان” ووكالتي رويترز و”فرانس برس” وموقع سايت بالإضافة الى تويتر وفيس بوك حيث عملت على نشر نشاطات التنظيم بشكل أسرع. مثال على ذلك: اهتمام الإعلام العربي والدولي بامتلاك “داعش” طائرات مقاتلة في سوريا حصل عليها من قاعدة الجراح في حلب ومطار الطبقة في الرقة، عندما بالغت وسائل الإعلام بطريقة استخدام هذه الطائرات من قبل “داعش” وأظهرتها في لقطات مصورة تحلّق داخل القاعدة أو قيامهم بصيانة الطائرات.
ورغم أن خبراء في الطيران والدفاع والتسلح ذكروا بأن هذه الطائرات لا تمثل الا خردة في سوق سلاح الجو، كون هذه الطائرات من النوع القديم ولأسباب فنية تقنية أبرزها: عدم وجود قطع غيار، وأنها طائرات تدريب أكثر من ان تكون مقاتلة، والأهم أن هذه الطائرات تحتاج الى رادارات وفريق فني على الأرض وهو غير متوفر، لكن الخبر أخذ مساحة إعلامية أكبر، وهذا يعمل على رفع معنويات التنظيم واستقطاب مقاتلين جدد.
في المقابل ينعكس ذلك سلباً على معنويات خصوم التنظيم. ويُظهر الإعلام الغربي أحيانا المخاطر الحقيقية للتنظيمات “الجهادية” بشكل متأخر أو يقصد الترويج لاتخاذ خطوة سياسية، مثلما ركزت التقارير الاستخبارية على قلق وكالات الاستخبارات منها الألمانية بامتلاك “داعش” وجماعات أخرى سلاح قاذفات “مانبادس” او “أس إي-7″ و”أس اي 14″ والتي تستهدف الطيران على بعد ميلين .
كيف وظف “داعش” الإعلام
يستهدف “داهش” في إعلامه فئة الشباب وفي أعمار مبكرة، وهذا يعني انه يستخدم التقنية الحديثة في الإعلام أبرزها تويتر والفيس بوك بعد ان كان تنظيم القاعدة يعتمد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والأقراص المدمجة. العبارات التي يستخدمها التنظيم في تويتر بشكل مختصر كانت تثير اعجاب المشتركين وتحصل على جمهور أوسع وكثيرا ما تناقلتها وسائل الإعلام الأخرى.
أظهر التنظيم الرومانسية على شبكته، برغم وحشيته وذلك من خلال التحاق بعض الفتيات ومنهن القاصرات للقتال مع داعش بعد أن تورطن في علاقات حب على الشبكة، البعض منهن ذكرن قصة التحاقهن بالتنظيم وكيف عاشت قصة حب رومانسية مع مقاتلي داعش، مما استقطب اعداد جديدة على شبكة التواصل الاجتماعي.
أما طريقة عرض الرهائن وذبحهم، فقد كانت موضع اهتمام وكالات الاستخبارات الدولية أكثر من الاهتمام الإعلامي، أبرزها ظهور الرهينة قبل ذبحه بأنه مستسلم وهادىء ورابط الجأش. وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات بشأن الهدوء الذي يتمتع به الضحية قبل أن يواجه مصيره. والطريقة التي يبعث بها رسالته الى حكومته أو عائلته والرأي العام كانت قوية وشديدة من دون أن يكون هناك تردد، وهذا ما يدعم التنظيم وما يدعيه من أيديولوجية ويصوّر للرأي العام بأن ما يعمله هو الصواب والعالم أجمع على خطأ وهذا ما عمل على استقطاب أكثر للتنظيم. بعض الخبراء المعنيين في التنظيم ذكروا بأن القاتل يمارس القتل الوهمي الصوري أكثر من مرة مع الضحية، وربما يخضع الى عقاقير كيميائية أو نظام غذائي يجعله غير مبالٍ بمصيره.
الطريقة التي يتم بها ذبح الرهينة أيضاً أثارت الاهتمام. فخبراء الاستخبارات والمعنيون في وسائل الإعلام ذكروا ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جداً بسبب استخدام نوعية كاميرات واستديوهات متقدمة وصفوها بأنها طريقة هوليودية، وذكرت التقارير أن التنظيم استعان بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير من خلال إعداد المقاتلين الأجانب.
وذكر خبراء في تقنية التصوير بأن التصوير لم يكن في الصحراء بل كان داخل استوديو ليظهر تأثيرات الصوت واللون بطريقة هوليودية مؤثرة أكثر.
يشار إلى أن “داعش” يختلف عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى بأنه لا ينتظر أن يأتيه المقاتلون بقدر ما يتحرك التنظيم باتجاه الحصول على مقاتلين ذوي خبرات معيّنة وخاصة منهم مهندسو المتفجرات والإعلام مثلما يستعين بضباط أركان في عملياته العسكرية الميدانية.
“دابق” و”صليل الصوارم ”
يستخدم التنظيم وسائل الاتصال الحديثة لإثارة زوبعة إعلامية بين الشباب والجمهور إما من خلال تعليقات تويتر أو الشبكة العنقودية، فأصدر التنظيم مجلة عالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، أطلق عليها اسم “دابق” وصدرت باللغتين العربية والإنكليزية، وتوزع نسخها المطبوعة، التي صدرت مؤخراً نسختها الرابعة، في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق، فيما أرسلت نسخ منها عبر الإيميلات، وأعاد نشرها عدد من المواقع الداعم للتنظيم.
وأصدر “داعش” سلسلة من الأفلام أشبه بالوثائقية، تصوّر عمليات التنظيم أطلقت عليها سلسلة “صليل السيوف”، آخرها الجزء الرابع الذي بلغت مدته ساعة كاملة، يصوّر عمليات التنظيم بجودة عالية تعكس حرفية في التصوير، واستخدام أحدث أجيال الكاميرات. كما أنتج داعش لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه “صليل الصوارم”.
الخطاب الاعلامي
يختلف الخطاب الاعلامي لهذا التنظيم تماماً عن الطريقة التقليدية للتنظيمات “الجهادية” والذي يقوم على أساس التحرك الميداني على الأرض وعلى الشبكة العنكبوتية أكثر من طروحاتت فكرية من قبل المشايخ التي اعتاد عليها تنظيم القاعدة في وقت سابق.
يعرض التنظيم مقاتليه في حالة مستريحة، وهم يمارسون حياتهم اليومية الاعتيادية مثل بقية البشر داخل بيوت فخمة وقصور بصحبة عوائلهم، عكس ما كان عليه الجيل الأول من مقاتلي القاعدة الذين كانوا يعيشون في كهوف جبال “تورا بورا”. فرغم الوحشية التي يتمتع بها هذا التنظيم لكنه يُظهر مقاتليه في وضع مستريح وارتداء الزي الإسلامي والاهتمام في الشكل في الحالات الطبيعية، مثلما ظهر التنظيم في استقبال بيعات العشائر في سوريا والعراق، وهو يعطي وصفاً مخالفاً لوصفه الوحشي في ميادين المعارك وترديدهم الأهازيج وكأنهم في سياحة “جهادية”. وما يحصل عليه التنظيم من غنائم حرب يعرضها على شكل مكاسب لمقاتليه، منها المركبات والسيارات الفخمة، وكذلك موضوع الزواج أو ممارسة الجنس مع المعتقلات والسبايا قسراً، مثلما حدث في العراق مع الايزيديات والمسيحيات والتي أعادت العالم الى سوق الرق والنخاسة، فالتنظيك يمنح مقاتليه امتيازات أكثر.
واضح أن هذا التنظيم ذكي جداً، وهو يحاول الاستفادة واستثمار كل ما هو متاح لترويج صورته، التي بدأت تلبّي حاجات الكثير من “الجهاديين” الجدد الذين يرفضون العيش بشكل طبيعي في مجتمعاتهم، وهي سياسة إعلامية ذكية قائمة على الاستقطاب. لكن رغم ذلك يتوقع أن يشهد التنظيم انشقاقات وتراجعاً تنظيمياً.
* باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
تاريخ الإصدار : 10-30-2014
الكاتب : جاسم محمد
الناشر : مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط
التعليقات على الموضوع